Tuesday, November 29, 2005

قصيدة صاحب القيد


قالوا أحاطوا بصدَّام وما صدقوا**** فالأُسد في أسرها كالأُسد في الأجَمِ

قصيدة صاحب القيد
للشاعر أحمـــد حـسـين

أَبا عَدِيٍّ أَيَكْفي الشِّعْرُ مَنْزِلَة

لِكَيْ تُشَدَّ إلى عَلْيائِكَ الهِمَمُ

لا بَأْسَ بِالسَّيْفِ مَثْلومًا وَمُنْكَسِراً

فَالسَّيْفُ لَيْسَ حَديدًا إنَّهُ شِـيَمُ

أَنْتَ الأَعَزُّ وَإنْ ساموكَ خِسَّتَهُم

فَالصَّرْحُ يُهْدَمُ أَحْيانًا وَيُقْتَحَمُ

عانَدْتَ وَحْدَكَ أَقْدارًا لَهُمْ سَبَقَتْ

ألا يَرِفَّ لَهُمْ في ساحَةٍ عَلَمُ

أَبا عَدِيٍّ عَبَرْتَ السّاحَ مُنْتَصِراً

فرداً، فَلَوْ قادَهُمْ "جِبْريلُ "لانْهَزَموا

وَقَفْتَ وَحْدَكَ تَرْوي النَّفْسُ لَوْعَتَها

وَلَيْسَ في وُسْعِها خَوْفٌ وَلا نَدَمُ

تُصانُ بِالذُّلِّ أَمْـوالٌ وأَمْتِعَةٌ

وَلا يُصانُ بِهِ عِرْضٌ وَلا شَمَمُ

لو جئت تطلب عز الذل مثلهمو

بلغتَ أكثر مما جئتَ تَغتنِم ُ

لكن مثلك لا تُودي الحظوظُ به

إن المروءة من أضدادها عِصَمُ

رَكِبْتَ صَعْبًا مِنَ التّاريخِ ضَيَّعَه

مِنْ قَبْلِكَ الكَيْدُ وَالتَّسْليمُ وَالقِدَمُ

إنَّ العُروبَةَ بَدْءٌ لا يُسابِقُهُ

بَدْءٌ وَعَلَّمَ كُلَّ النّاسِ ما عَلِموا

شُموسُ بابِلَ في الآفاقِ ساهِرَةٌ

وَالكَوْنُ تَنْجابُ عَنْ أَنْحائِهِ الظُّلُمُ

وَأَرْضُ كَنْعانَ وَجْهٌ لا يُغادِرُهُ

حُلْمُ الدَّعِيِّ وَلا يَحْظى بِهِ حُلُمُ

قَلائِدُ الحَرْفِ أَجْراسٌ مُعَلَّقَة

مِثْلَ النَّوارِسِ يَطْفو حَوْلَها النَّغَمُ

لَوْ قِيلَ مَنْ مَنَحَ الأَيّامَ رَوْنَقَها

وَأَوْدَعَ الحَجَرَ الأَسْرارَ قِيلَ هُمُو

لكِنَّهُمْ غادَروا في حُلْمِ جَنَّتِهِمْ

وَأَوْرَثوا جَنَّةَ الدُّنْيا لِغَيْرِهِمُو

ما كانَ حُلْمُكَ وَهْمًا كانَ أُمْنِيَةً

أَنْ يُسْتَعادَ مِنَ الأَمْجادِ ما هَدَموا

مَضَيْتَ وَحْدَكَ إلا فِتْيَةٌ نَهَضوا

مِنَ الرَّمادِ لِيُوفوا العَزْمَ ما عَزَموا

لَمْ يَبْقَ إلا دِماءٌ يَلْطِمونَ بِها

وَجْهَ العَدُوِّ دَمٌ يَمْشي إلَيْهِ دَمُ

تَقَدَّموا المَوْتَ نَحْوَ المَوْتِ وَانْدَفَعوا

لا يَعْبَأونَ بِمَحْذورٍ وَلَوْ سَلِموا

مَنْ قالَ إنَّ المَنايا حَتْمُها زَمَنٌ

أَوْ قالَ إنَّ المَنايا ما لَها قَدَمُ

ذابَ الحَديدُ وَذابوا طَوْعَ أَنْفُسِهِمْ

لَمْ يَبْقَ بُدٌّ، تَساوَى الذُّلُّ وَالعَدَمُ

داسُوا عَلى كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ عِزَّتِهِمْ

عاشوا وَماتَتْ عَلى أَقْدامِهِمْ أُمَمُ

أَبا عَدِيٍّ وَأَنْتَ الآنَ في قَرَنٍ

مَعَ الفَجيعَةِ هَلْ يودي بِكَ الأَلَمُ

لا بَأسَ في فارِسٍ أَوْدَى عَلى شَرَفٍ

وَحَوْلَ نَعْلَيْهِ مَوْجُ الغدر يَلْتَطِمُ

إنَّ العُروبَةَ أُمٌّ أَنْجَبَتْ وَقَضَتْ

وَأَنْتَ آخِرُ مَنْ بَرُّوا بِها وَسَمُوا

أتى بّك الشَوق من آفاق أُمنيةٍٍٍ

تمشي على ألأرض إلا أنها حُلُمُ

أتَيـت قوما ً بِغالُ الناس تحكمهم

والبغْلُ حتمٌ عليهِ الذُلٌّ والعُقُمُ

متنا بهم مثلما ماتوا بنا، عجباً !

نحن الحضيض وهم في قاعه قِمَمُ

لو لم يكن غيرهم في الأرضِ ما سَلِموا

من الَهوانِ وسادَتْ في الدُّنى البُهُمُ

عبءٌ على الظُلمِ حتى مَلَّ ظالِمُهُم

"وأمُّ بلقيسَ" فيهِمْ حاكمٌ غَشِمُ

يا "أم بلقيسَ" شيخاًً كنتَ أو ملكاًَ

ما عَيْبُ صدّامَ دون َ الناس ِ كلهِّمو

هل كان صدام ذ ئبا حين يحرسكم

من الذئاب ويدري أنكم غََنَمُ

صدام أقدس نعلاً من عمائمكم

وقُدس نعليه في أعراضكم حَََرَََمُ

كلُّ الشعوب لها في عُنقِِكُم قَدَمٌ

خَلِّ العراقَ له في عُنقِكُمْ قََد َمُ

ضِقتُمْ بِنَعلٍ لها قُربى وقد نَزلَتْ

رُبوعَكم من نِعال المُعتدي أمَمُ

هَل عَزَّ يّوما ً لَكُم مُلكٌ وهَل سَلِمَت

لَكُم بِلادٌ وهَل صِينَتْ لَكُم حُرَمُ

كيف استفقْتُمْ كأنَّ البَّعثَ داهَمَكُم

بل كيف طالت لكم مثل اللِّحى هِممُ

يا صاحبَ القيد هذي الحال ملحمة

وسيِّدُ الروح فيها الحزن والألمُ

يا سيّد القيدِ أعطيت المنى سببا

لم تهزم المِسخَ لكن سوف ينهزمُ

فتحتَ للرفضِ باباً كيف يُغلقه

فالكونُ رَحبٌ وفيه غيرنا أممُ

يا سَيِّدَ الرُّوحِ إنَّ الرُّوحَ مَنْزِلَةٌ

مِنَ اليَقينِ بِها المَخْذولُ يَعْتَصِمُ

عاشوا وماتوا على أقدامهم عبثا

وَما عَبَثْتَ فَإنَّ الحُرَّ مُلْتَزِمُ

عَبَرْتَ لُجَّكَ في الأَيّامِ مُقْتَحِمًا

ما العمرُ إلا مدى ما أنت مقتحمُ

المصدر: شبكة البصرة

إعتذار متأخر جداً




إعتذار متأخر جداً

الى بغداد الحبيبة

للشاعر أبو المعالي الجوعاني

(1)
أعذريني....
حين لم أترك لكِ العنوان
..
في إحدى الزوايا وأسافر
أخذتني منكِ آلاف الخواطر
أفقدتني الحرب ذاكرتي!
فأنا الآن ب
لا قلبٍ..ولا حتى مشاعر
كيفَ للميتِ يا سيدتي أن يتذكر..؟
كيفِ للشاعِرِ أن يكتبَ أو حتى يفكر..؟
ذبحوا أمَ المكارمِ والمعارفِ والتطهر
وأدوا الحسناءَ في أحقادِ خيبر
فأنتهى عصرُ التحضر
طعنوها الف خنجر
وهي في صمتٍ تردُ الطعنات
شنقوها فوق جسر الذكريات
قتلوا سرب المها في الطرقات
دمّروا كل البراءةِ والحضارةِ والشمائل
يا لعاري
...
عندما تسألني عنها القبائل
كيفَ ضيعتَ الحبيبةَ والرسائل
كسرتنا الحربُ يا بغدادُ لكن سنقاتل
فإذا ما هربَ العشاقُ وإرتحلت
...
عصافيرُ المنازل
وإذا ما أسقطوا فوقكِ آلافَ القنابل
سنقاتل
إنما لو تعذريني

(2)
أعذريني...
فأنا بعدكِ لامعنى لعشقي وجنوني
طالما حاولتُ أن أبحثَ عن عينيكِ..
حتى تنجديني
عبثاً فتشتُ في كلِ الشوارعِ والمرافيْ والظنونِ
لن أجد غير الحرائقِ والحواجزِ والشجونِ
شوهوا كلَ جميلٍ فيكَ يا ضوءَ العيونِ
سرقوا منكِ المرايا...
قتلوا فيكِ الصبايا...
وإستباحوا وردَ خديكِ وعطرَ الياسمين
فأعذريني

(3)
أعذريني..
في زمان الحربِ صارَ الحبُ شيئاً مستحيلا
هذهِ الحربُ كما شاهدتِ...
أعطتنا دليلا
أحرقت كل جسور الشوق..
لم تترك لمجنونٍ سبيلا
حولت عينيكِ من غابةِ عشقٍ..
لمحطاتٍ حزينة
أرجعت عصرَ التوحشِ والتصحرِ والضغينة
(فارقت ما بينَ عينيكِ وبيني)*
فأعذريني

(4)
أعذريني...
فأنا ما عادَ إيماني قوياً بجميع الاتقياء
أشبعونا دجلاً ونفاقاً...
وحكايا عن ملائكة السماء
وجنودٍ سوف يأتون الينا..
يحملون النصر من غير عناء
آه يا بغداد...
كم كُنا –على اللهِ- أُناساً بسطاء
كيفَ ما يدفعنا التيارُ نمضي...
دونَ أن نحتج مثل الاغبياء
نحنُ كنا أغبياء
نحنُ يابغدادُ قد مُتنا
وماتَ الكبرياء
فمتى نمسحُ هذا الذلَ عن وجهِ الصباحِ
ومتى نبدأ يابغداد في حبٍ جديدٍ
ومتى ننسى جراحكِ أو جراحي
صدقيني...
أنا ما استسلمتُ...
أو ألقيت في البحرِ سلاحي
حُلمُ الاعداءِ ألا تعرفيني
فأعذريني

(5)
أعذريني...
يابقايا الطيبين
أنتِ هلاّ تعذريني...؟
وكما أذكرُ عينيكِ بخيرٍ تذكريني؟
وإذا جئتكِ مهزوماً ومكسورَ المشاعرِ....
تقبليني...؟
هل ستبقينَ الحبيبة بعدما ضاعَ يقيني...؟
أنتِ يا آخرَ إيماني...ويا صحوةَ ديني
كُنتِ يانقطةَ ضعفي...
أملاً بين جفوني
كيفَ ألقاكِ وفي وجهي جِراحات الهزيمة
كيفَ ألقاكِ وقد شاركتُ في صنعِ الجريمة
سحقتني هذهِ الحربُ اللئيمة
صارت الاحلام كابوساً رهيباً ...
في سريري
وطني قد صارَ كالسجنِ الكبيرِ
نصفُ إنسانٍ أنا...
أصبحتُ مجهول المصير
هارباً أبحثُ عن منفايَ ...
ما بينَ السطورِ
محبطاً قد قيدوني...
في بلادي كأسيرِ
آهِ يابغدادُ...
ياشوقي ويا وجدي ويا كلَ ضميري
أنتِ ما أبقت ليَ الدنيا...
ومن دفيء الشعورِ
ألمي أكبرُ من صدري..
ومن حلمي السجينِ
روعتني الحربُ حتى فجرت كل جنوني
هذهِ المأساة قد تحتاجُ للنسيانِ ...
آلافَ السنينِ
قدراً واجهتِ يابغداد هولاكو...
لوحدكِ مرتينِ
فأمسحي الاحزانَ عن وجهي المشوهِ...
وأعذريني

(6)
أعذريني مرةً أخرى ...
فما زالت حكايتنا طويلةً
سهرُ المشتاقِ ماكانَ إشتياقا
أو وداعا أو لوعدٍ في خميلة
وجراح القلبِ ما كانت لليلى....
أو لهندٍ أو جليلة
وبكاءُ الصّبِ ما كانَ على طللٍ هزيلة
أصبحَ الليلُ طويلاً ...
وألاماني مستحيلة
هكذا الاقدار يا بغداد شاءت ...
أن تعيشي بينَ أهليكِ ذليلة
أي شعبٍ ...
ذلكَ الشعب الذي باع الرجولة...!
أيُ جيشٍ ...
ذلك الجيشُ الذي يهربُ في يومٍ وليلة..!
أصحيحٌ كانَ يابغداد حزبُ البعثِ (كّماً)....
يتلهى في أساطير البطولة
والقيادات المبجلة الجليلة
كلهم كانوا تماثيلاً من الاحجارِ...
لا حول ولاحيلة
خدعوا (صدام) (بالهوسات)...
والدجلِ المبطن... بالفضيلة
فأعذريني...
إن كلابَ الغربِ والعملاء أحفاد الخميني
صلبوا ألفَ مسيحٍ فيكِ أو ألفَ حُسينِ
فأعذريني

(7)
أعذريني...
كلنا مشتركونَ في قتلكِ عمدا
لستُ أستثني من الاعرابِ فردا
صارَ نيسان لنا عاراً...
ولكن صار للعملاء مجدا
جعلوه يوم جفّ الضوءُ في عينيكِ..
عيدا
لعنةُ اللهِ على تلكَ اللحى فردا ففردا
ملئوا النهرين حقدا
زرعوا الذلَ بوادينا ...
فصارَ الحُرُ عبدا
وكلابٌ من أقاصي الغرب جاءت ...
لتذلَ الشعبَ عمدا
نحنُ يابغداد لا عشنا ...
إذا لم نتصدى
نجعلُ الارضَ جحيماً ...
ونكيدُ الخصمَ كيدا

(8)
أعذريني...
إن يكن (صدام) قد أخطأ في تقييمِ شعبه
وتحدى بإسمهم (بوشاً) وحِزبه
لم يكن يدري الملايين التي ...
جائتهُ...كّذبة
وحماةِ العِرضِ والارض النشامى...
تركوا في الحرب (صداماً) وربه
خانهُ من كانَ أقسمَ باللهِ ثلاثاً...
وثلاثاً بالمباديء والاحبة
لم يقاتل غيرَ بعض الشرفاء
(ولواءٌ) صارَ رمزاً للفداء
وبقايا الطيبين المبعدين الفقراء
وغيارى أمةٍ لم ترتضِ الذلّ ...
ولم تركع لحكمِ العملاء
عن سواهم لا أرى أن تسأليني
فأعذريني

(9)
أعذري الشاعرَ إن يبكِ دماً...
مثلَ النساء
هدموا آخرَ صرحٍ ...
في بلادِ الانبياء
سرقوا أكفانَ موتانا...
وباعوها لكلِ الدخلاء
سقطت بغداد...
فلتبكي المنائر والحرائر والسماء
آه يابغدادُ...
يا قلبَ العروبةِ ...ياشهيدة كربلاء
آه يابغداد..
موتكِ موتٌ للكرامةِ وألإباء
سقطت بغداد...
فليشمت بها شارون والعملاء حكام العرب
إنهم واللهِ ماكانوا عرب
سقطت بغداد...
فالشرقُ حزينٌ مكتئب
وعلى أسوارها ألفُ شهيدٍ قد صُلِب
فأعذريني مرةً أخرى...
إذا عزّ الطلب
وأعذريني حين لا أقوى...
على كبتِ جنوني
فأنا فردٌ قليل الصبرِ يا أمَ البنينِ
ليسَ لي عذرٌ ولكن...
أنتِ دوماً تعذريني...
فأعذريني

* هذه العبارة للشاعر نزار قباني

المصدر: مواضيع للقراءة

eXTReMe Tracker